Sunday, 3 July 2011

الحب الزوجى مثال على حب المسيح للكنيسة



الكتاب المقدس يقدم لنا الزواج على أنه سر اتحاد بين رجل و امرأة يتعهدان بأن يعيشا دون أن يفصلهما الموت, فى علاقة حب متبادل واضعين نصب أعينهما التقديس الذاتى الشخصى و تقديس أطفالهم ... و عن طريق هذا التعهد الواعى و من خلال سريان الحب المتبادل فإن طبيعة الزوجين الجسدية الساقطة تتجدد لتؤهل إلى السكنى فى السماء الجديدة و الأرض الجديدة , فالحب الزوجى علامة للملكوت و شاهد له

و يرتبط الحب الزوجى بالفرح الزوجى ... فالمرأة تأتى لزوجها بفيض و عزاء لا ينقطع لكى يفرحا معا ( إفرحى أيتها الزوجة و ليكمل فرحك فى زوجك ) و القديس اكليمنضس السكندرى يشير إلى النعمة الفردوسية حين يدعو الحب على التسامى فوق الأرضيات و الإتجاه نحو الجمال السماوى فى الحياة الزوجية


ليس صدفة إذاً حديث الرسول عن الحب الزوجى فى مجال حديثه عن حب المسيح و الكنيسة ... "ايها الرجال احبوا نساءكم كما احب المسيح ايضا الكنيسة واسلم نفسه لاجلها 26 لكي يقدسها مطهرا اياها بغسل الماء بالكلمة 27 لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن او شيء من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا عيب. 28كذلك يجب على الرجال ان يحبوا نساءهم كاجسادهم.من يحب امراته يحب نفسه. 29 فانه لم يبغض احد جسده قط بل يقوته ويربيه كما الرب ايضا للكنيسة. 30 لاننا اعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه. 31 من اجل هذا يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامراته ويكون الاثنان جسدا واحدا. 32 هذا السر عظيم ولكنني انا اقول من نحو المسيح والكنيسة " أفسس 5 : 25-32 ... فمن قول الرسول هذا يتضح جليا أن رباط الزيجة يصور اتحاد المسيح بالكنيسة, و على هذا المستوى يكون الزواج سرا عظيما و يكون رباط الحب الزوجى مقدسا



إن الزواج توقع للملكوت و تكوين لملكوت مصغر هنا على الأرض



إن أول أعجوبة صنعها الرب كما حدّثنا يوحنا البشير أجراها فى عرس قانا الجليل , و من أول الأمر تتكشف الجلجثة خلال هذه الأعجوبة ( الماء المتحول خمرا ) فيعلن بهذه الوسيلة ولادة الكنيسة على الصليب إذ أنه من الجنب المطعون جرى دم و ماء ... فالرمز إقتراب و توضيح لمكان الأعجوبة , العرس بجوار الافخارستيا الكنسية


و حضور المسيح يضفى على العروسين هيبة قدسية, و عنها يتحدث القديس بولس حينما يقول " هذه كلها يعملها الروح الواحد قاسما لكل واحد بمفرده كما يشاء " كورنثوس الأولى 12 : 11 ... و بتأثير فاعلية الروح يتحول ماء الشهوات الطبيعية إلى ذلك النتاج من عصير الكرمة ... الكرمة النبيلة التى تعنى التحوّل نحو حب جديد, حب من فيض النعمة يدخل أعتاب الملكوت و الأبدية

و لهذا السبب تنحنى أم الله كالملاك الحارس فوق العالم فى أزمته قائلة ليس لهم خمر ... و المعنى الخفى لقول السيدة العذراء هو أن الطهارة الأولى بوصفها تكامل الشخصية قد تَلَفَت ... و الأجران المهيأة ( للتطهير عن اليهود ) فارغة و غير كافية لأن الأشياء العتيقة قد مضت فتتحول التطهيرات إلى المعمودية لتفتح الطريق إلى العرس الافخارستى للعريس الأوحد رب المجد يسوع 

Friday, 8 April 2011

الحب الزوجى - هل سيختفى الزواج بكل وجوهه فى الملكوت ؟؟



الحب الزوجى له قدرة الإنتصار على الموت , كما ذكرنا سابقاً ... يحوّل الزمنى إلى خلود و الزائل إلى باقى

فإن كان الحب الزوجى يدوم إلى الأبد , فما معنى قول الرب فى جوابه على الصدوقيين إنهم فى ملكوت الله لا يزوجون و لا يتزوجون ؟؟ هل يعنى هذا أن الزواج بكل وجوهه سيختفى ؟؟

الحقيقة أن ما له علاقة بالعالم المادى سيختفى ( مثل الإتصال الجسدى ) , هذا لن يستمر لأنه يصبح غير ذى موضوع إذ أن عدد المختارين يكون قد كمل , و بهذا لا يكون هناك معنى للتناسل ... و لكن الذى يبقى فى الدهر الآتى الحب و الشركة الباطنية ... إذ أن جميع أسرار الكنيسة ستختفى منها علاماتها الخارجية , و لكن تدوم فاعليتها الباطنية ... ففى الزواج يختفى الشكل و يبقى المضمون

يقول جابرييل مارسيل ( فيلسوف فرنسى و مفكر ) : متى قلت إنى أحبك فمعناه أنك لن تموت

و يرتبط بديمومة الحب و بقائه و استقراره الوفاء الزوجى الحقيقى . و هو نوع من الحياة , فيه يخلص كل شريك للآخر على أساس من الوئام و التفاهم و النية الصادقة القوية و المحافظة على الرابطة المقدسة جسدياً و روحياً ... هذه التى تجعل الزواج وحدة متماسكة متضامنة الأطراف ... و لا نقصد بالوفاء ذلك النوع المزيف أو السلبى الذى فقد روح الإخلاص و اكتفى بالحياة الشكلية و الرابطة المظهرية التى تبدو أمام الناس طيبة و هى تحمل فى طياتها نوع من النكد و التبرم و الكراهية و عدم التقدير و الأغلال و الموت

فالشعور الذى يربط الزواج هو الشعور بأن كلا منهما للآخر لا بأن الواحد هو ملك الآخر , الشعور بأن الاثنين مكملان لبعضهما البعض , و تنمو شخصية كل منهما فى جو من الحب و الألفة و المودة و الحياة الزوجية ... هذه الوحدة التى نسميها بحق وحدة الحب الزوجى

الحب الزوجى أسمى من كل الفنون و العلوم فى إشباع النفس البشرية ... فالفنون و العلوم و إن أرضت متطلبات خاصة للنفس البشرية , و سدت فراغ الحاجات المؤقتة إلا أنه من الواضح أنها لا تضفى مضموناً مطلقاً له اكتفاء ذاتى على الشخصية , و بالتالى لا تتطلب خلودها

الحب وحده هو الذى يتطلب هذا الخلود و هو وحده الذى يستطيع بلوغه

و الحب الزوجى هو حب على مثال حب المسيح للكنيسة .... و هو ما سنتكلم عنه بالتفصيل فى المقال القادم

Tuesday, 5 April 2011

الحب الزوجى - سمات الحب الطاهر فى الزوجية



الحب الزوجى هو حب لا يتمركز حول الذات بل يستند إلى التضحية بالذات و يرتكز على العطاء , و يقوم على التعقل و الإستقرار و الوفاء المتبادل . ففى الحب الزوجى يفقد الإنسان الذاتية المستقلة و الأنا المنغلقة منفتحاً نحو عطاء النفس للآخر دون انتظار المنفعة

ثم هو حب غير مسبب و غير محدد ببواعث , و لكنه يبرر وجود نفسه , فهو لا يقوم على دوافع و بواعث و مثيرات خارجية و لكنه يستمد كيانه و جوهره من سر الحب الداخلى , فهو حب مبدع خلاق ... و هو يقبل المحبوب على علاته , كما هو ... إنه يقبله كشخص و ليس كموجودات , إنه يتعامل معه على مستوى الكينونة و ليس على مستوى الملكية

ثم هو حب يقدس الغريزة الجنسية و يفتديها ... فالعلاقة الجسدية بين الزوجين لا تكون كريهة أمام الله الذى هو سبب الحب الروحى الذى يملأ قلبى الزوجين و يوحدهما فى شركة و إتحاد روحى عجيب .... إن حركة المحبة الباذلة هى التى تفتدى الشهوة و تخضعها لنعمة الله الفائقة الغنى

ثم هو حب رزين غير متهور أو مندفع أو طائش و لكنه يعى إلتزامات الحياة الزوجية و مسئولياتها , و يقدّر كل متاعبها , و عنده إمكانية احتمال المعاناة مهما كانت ثقيلة

هو حب واقعى و ليس خيالى كما فى أحلام المراهقين , و هو حب ملتزم بالشخص , و ليس نوعاً من التلهّى وراء اللذة الحسية ... فهو حب باذل غير نفعى , يتأنى و يرفق , لا يطلب ما لنفسه , ولا يحسد , ولا يتفاخر ولا يغار ولا يخاف ... لأنه لا خوف فى المحبة
( رسالة يوحنا الأولى 4 : 18 )

هو حب قوى كالموت ( نشيد الأنشاد 8 : 6 ) لأنه يستمد كيانه من الحب الإلهى ... ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به ( يوحنا 17 : 26 )ولأنه بلا رياء فهو مبنى على الصخر لا تزعزعه رياح و عواصف الحياة

يقول القديس يوحنا ذهبى الفم إن الحب الزوجى هو أقوى حب لأنه يعرف كل شئ كالإيمان , و يرى ما هو مختفى عن أعين الآخرين , إنه يملأ الأعماق الخفية نوراً و بهاء

و هو حب يعنى المعرفة الشاملة العميقة ( عرف آدم حواء ) , الحب قوة شفافية نبوية كاشفة , فالمحب يرى نفس المحبوب بوصفه نوراً فيبلغ من المعرفة الدرجة التى لا يبلغها إلا المحبون

و آية هذا الحب أنها تمحو كل تباعد المسافة بين الإثنين ليكونا وحدة نموذجا مباركا و مثالا حيا و شهادة واضحة فى العالم

و هو حب مثمر فياض لا ينحبس فى جنبات الزوجين كما لا ينحبس النور فى أصابع الأيدى ... إن خصوبة الحب تتجلى بوضوح فى كونه يغير من نفوس أولئك الذين يحبون , و لعل هذا هو السر فيما نلاحظه عادة من أن للحب دائما صبغة خلاقة أو طابعا إبداعيا ... و تبعة لذلك فإن الحب عملية خلق متبادل لوجودين مترابطين يشعر كل منهما بأنه فى حاجة إلى الآخر لأنه يحبه , و إذا كان جوهر هذا الخلق أو الإبداع هو التبادل فذلك لأن الحب قوة من شأنها دائما أن تولد الحب , ثم هذا الحب يتدفق ليثمر ثمرة مباركة هى الطفل ... و هكذا يمتد الحب الزوجى ليصبح الحب الأموى و الحب الأبوى أيضا

و هو حب له قدرة الإنتصار على الموت ... يحول الزمنى إلى خلود , و الزائل إلى باقى ... فالفرح ينسكب من قلبى المتزوجين بالروح القدس , هذا يجدد الجسد و يضمن ديمومة الوحدة إلى الأبد
و فى هذا الصدد يقول ذهبى الفم : أولئك الذين يتحدون معاً حقاً يصيرون فى الدهر الآتى وحد فى المسيح ووحدة مع بعضهم البعض فى فرح أبدى

و إذا قلنا إن الحب الزوجى يدوم إلى الأبد , فما معنى قول الرب فى جوابه على الصدوقيين " إنهم فى ملكوت الله لا يزوجون و لا يتزوجون " ؟؟ هل يعنى هذا أن الزواج بكل وجوهه سيختفى ؟؟؟؟
نجيب عن هذا السؤال فى المقال القادم إن شاء الله

Monday, 23 August 2010

مقومات الحب الحقيقى - العامل الرابع : الإلتزام الزوجى



لا حب جنسى إلا من خلال الزواج , و لا زواج إلا من خلال الحب

لأن كل حب خارج الزواج يحمل جرثومة تحطيم نفسه إذ يكون فاقداً القدرة على تكوين الشركة ... فالنفس البشرية لا تستطيع أن تجرد الحب الجنسى من تعبيره الطبيعى الجسدى , فالجسد فيه لابد أن يكون له نصيب , و هى لا تستطيع أن تقاوم بصفة مستمرة فرصة حمل الثمار إذ أن الحب الجنسى الحقيقى لا معنى له بدون العائلة و الطفل

يرى "سورين كيركجارد" مؤسس الوجودية المسيحية أن الزواج يقضى على الحب !!! و نحن هنا نخالفه الرأى

و وجهة نظر كيركجارد أن عاطفة المشاركة التى تنشأ بين الرجل و المرأة لابد من أن تضعف تحت تأثير الحياة العادية الرتيبة , و أن هناك استحالة تحقيق توافق بين حياتين روحيتين غير متكافئتين , كما يرى عدم تساوى الطرفين المشتركين بحيث لا يستوعب أحدهما الآخر ... و تمتد أخطاء كيركجارد إلى حد أنه يتهم المرأة بالأنانية فى الزواج عندما يقول أن المرأة تلتهم الرجل بمجرد أن يصبح زوجاً لها ... أى تستغلّه أسوأ استغلال

و نحن نخالف هذا الفيلسوف لأن الزواج ليس هكذا فى المسيحية , فالمرأة لا تلتهم الرجل , و لا الرجل يجرى وراء شهوته الجامحة فى الزواج ... لأن المسيح فى سر الزيجة يلغى عقدة النقص عند المرأة و عقدة التسلط عند الرجل . فالمرأة لا تعود تصبح ابنة لحواء تسعى إلى امتلاك الرجل لشعور دفين بنقصها عن الرجل , و لا الرجل يسعى لإذلال المرأة و السيطرة عليها لشعور عميق بالتعالى عليها ... ففى المسيح يسوع ليس ذكر و لا أنثى , بل الزوجة تهب و تحترم زوجها , و الزوج يحب زوجته كنفسه , و هكذا فى إطار سر الزيجة تختفى العلاقات الناجمة عن العصيان و تظهر العلاقات الناجمة عن الحياة الجديدة التى فى المسيح يسوع

Wednesday, 18 August 2010

مقومات الحب الحقيقى - العامل الثالث : الجاذبية و الإلهام


عندما يكون الإنسان جسدياً , فإن ما يجذبه إلى الآخر هى الأمور الجسدية ... و عندما يكون الإنسان نفسانياً , فإن ما يجذبه للآخر هى الأمور النفسية ... و عندما يكون الإنسان روحانياً , فإن ما يجذبه تجاه الآخر هى الأمور الروحية ... و فى إطار الجنس فإن الجاذبية هذه لها عدة مستويات

المستوى الأول : الجاذبية الجسدية البحتة

و هذه تكون عند المراهقين غير المتديّنين عندما يكونوا مسوقين بشهوات أجسادهم فإنهم ينجذبون إلى كل فتاة لا لشخصها و إنما عشقاً فى جسدها . و هذا العشق الجسدى هو أحط أنواع الحب الجنسى كما سبق و قلنا , لأنه متغير , أنانى , ترابى , لا يحقق الوحدة و لا يُشبع النفس الإنسانية

المستوى الثانى : الجاذبية النفسية

هذه تكون عند الذين انتهوا من مرحلة المراهقة و لا يزالوا يعيشون حسب الجسد . فنجد هنا الطالب الجامعى ينجذب نحوالفتاة لا لأجل جمالها و إنما لأجل قوة شخصيتها و غزارة علمها و رزانة طبائعها
و هذا الإنجذاب , و إن كان أرقى من سابقه , إلا أنه _ مسيحياً _ يُنظر إليه على أنه ترابى المصدر لأن الجسدانية و النفسانية هى خصائص المولودين من الدم  و مشيئة الجسد كما عبّر القديس يوحنا . و حينما تكون الجاذبية الجنسية لا شخصية تكون ينبوعاً لأبشع الإنحطاطات و أذل العبوديات للنفس الإنسانية

المستوى الثالث : الجاذبية الروحية

هذه تكون لدى الناضجين الروحيين الذين تخلصوا من الربط النفسية التى تشدهم نحو التخلف و عدم التقدم , و الذين صلبوا الجسد مع الأهواء و الشهوات , و الذين عرفوا كيف يعيشون حسب الروح و ليس حسب الجسد
هؤلاء فى نضجهم يحدث عندهم إلهام و نداء و جاذبية لا يكون مصدرها الجسد و لا النفس , و لكن الروح أولاً و قبل كل شئ
و فى هذا المضمار تتحول الغريزة و جاذبية الدافع الجنسى إلى نوع من السرية , و يصير الحب فيها نداء , أو دعوة صافية شفافة نقية

ليس معنى هذا أن الشاب الروحى المتقدم إلى الزواج تخلو الجاذبية الروحية عنده من القبول الجسمى و النفسى , و لكن عناصر الجسد و النفس خاضعة عنده للنظرة الروحية و الإلهام الإلهى و الإتجاه الروحى المسيحى الحقيقى

و كما حدث لتلميذى عمواس إلهاماً عند كسر الخبز , فإن هذه اللحظة المباركة موجودة أيضاً فى الحب . إنها لحظة طاهرة جداً , فيها يتذوق الأحباء طعام الملائكة , و يتعارفون فى استعلان مباشر فجائى , و كما يشق البرق الظلام يرى الأحباء بعضهم بعضاً ... فالمحب يرى نفسه فى المحبوب كما فى مرآه , كما يستجيب الوجه للوجه فى الماء هكذا قلب الإنسان يستجيب لقلب الآخر --أمثال سليمان 27 : 19

و الذى يضمن للشاب الروحى القدرة على تحمل متاعب الحياة الزوجية و التحديات الكثيرة أمامها , أنه إذا ذبلت النضارة الجسدية و تعرضت للأمراض و العلل المتوقعة , و إذا أصابت الشخصية المحبوبة بعض المتاعب النفسية و الضيقات الداخلية غير المُستغرَبة , فإن رابطاً قوياً لا ينفصل يبقى بين الزوجين المحبين , ألا و هو الاتحاد الروحى و الانسجام القلبى الروحى الحقيقى القائم على النظرة السليمة المشتركة , و الهدف الواحد , و الحب الواحد , و الإيمان الواحد , و الرجاء الواحد , و الثقة و اليقين الشديد فى اختيار الله و دعوته لكل واحد منهما و تدخُّل الله الواضح فى حياتهما


Sunday, 15 August 2010

مقومات الحب الحقيقى - العامل الثانى : الحرية



يرتبط بالنضج النفسى و الجسمى و الروحى عامل الحرية أيضاً لأنها أهم علامة للرجولة و النضج

و نقصد بالحرية هنا التحرر الداخلى و الخارجى ... أما التحرر الداخلى فهو ما ذكرناه فى المقال السابق أن يكون الإنسان قد تخلص من مركزية الأنا و عقد النرجسية و الأوديبية و الرومانسية 

 و التحرر الداخلى على الصعيد الروحى هو الإلتقاء مع ابن الله كى يصير الإنسان حراً غير مستعبد لخطاياه , صالباً الإنسان العتيق و الأهواء و الشهوات ... أما التحرر الداخلى على الصعيد النفسى فهو النضج و النمو النفسى السليم

قد يبحث المحب لا عن قرين أو رفيق , بل بديل للأب و الأم , و ذلك فى حالة تعلق البنت بأبيها تعلقاً جنسياً لا شعوريا , أو تعلق الشاب بأمه ... و الحب الشعرى ينمو فى الغفلة و الأحلام , و كثيرا ما تكون نتيجته الخيبة و اليأس

أما الحب الذى يريد أن يكون رباطاً قوياً وثيقاً بين اثنين جسماً و قلباً و روحاً , و أن يكون درعاً قوياً لوقاية الزوجين من أحداث الدهر فيجب عليه أن يكون يقظاً من حين لآخر , و أن يقوم على دعامة الوجدان و الفكر المستنير ... إن الإلحاح الذى يبديه أحد الزوجين فى أن يكون الآخر شبيهاً به كل المشابهة لا يرجع إلى قوة الحب و كماله بل إلى ضعفه و نقصه ... إن الشخص هنا لم يتحرر من عبوديته لنفسه

الحب و الحرية يطرحان الخوف و القلق إلى خارج

و إذا كان كل من المحبين يشعر بأنه يهب نفسه للآخر فى جو من الحرية و التقدير المتبادل فلا شك أن هذا الشعور بالحرية أقوى عامل من عوامل إسعاد الحياة الزوجية و تدعيم أواصر الحب و الاتحاد

أما الحرية الخارجية فنعنى بها ألا تكون هناك ظروف خارجية ضاغطة يعيبها الفرد عند تحديد شريك حياته , كأن تكون الفتاه ملزمة بالتزوج من شاب لأنه يحمل صلة قرابة لها كما تفعل بعض العائلات أحياناً , لا مانع من أن يحصل هذا الترابط و لكن بشرط ألا يكون تضحية إجبارية من الطرفين تنغص على الجميع حياتهم

إن وجود شرط يمنع حرية الإنسان فى اختيار من يحبه , هذا يهدد الأسرة منذ بداية نشأتها ... و ما نقوله عن العلاقات الأسرية نقوله أيضاُ على وجود عامل حتمية الإلتزامات المادية فى العلاقات الزوجية التى إن دلت على فقدان شرط الحرية الخارجية فهى أيضا تدل على فقدان الحرية الداخلية . و معنى ما نقوله , أن المال و الأثاث و ما يتعلق بهما لا يلزم أن يكون عاملا متحكماً فى علاقات الإنسان بمن يحبه و يختاره شريكاً لحياته

يقول باسكال إننا لا نستطيع أن نحب حبا كافياً إلا إذا أحببنا حباً زائداً , و ربما كان الحب هو الشئ الوحيد الذى لا يكون جميلا إلا إذا ارتبط بالإفراط و السرف , فإن المعيار الأوحد للحب هو أنه ليس له معيار

فى المقال القادم سنتحدث عن الجاذبية و الالهام كأحد عوامل الحب الحقيقى ... فتابعونا

Saturday, 14 August 2010

مقومات الحب الحقيقى - العامل الأول : النضج بكل معانيه



بالرغم من أن عملية النضج نسبية , و أن الانسان كلما تقدم فى حياته يرى نفسه فى احتياج إلى نضج أكثر و أعمق , إلا أنا نعنى بالنضج هنا تكامل الشخصية فى نموها الجسمى و النفسى و الاجتماعى و الروحى

أ - النضج الجسمى

هذا يتطلب عناية بالبدن منذ الطفولة , و اهتماماً واضحاً من الأم بعمليات التغذية و الصحة و النظافة و كافة العمليات البيولوجية الأخرى فالإنسان الهزيل فى صحته و المريض دائما فى بدنه , و الذى يحمل عاهات مستديمة واضحة قد يتعطل استعداده للحب الحقيقى , لأن الجسم يشارك الروح جميع عمليات الشركة بين الزوجين

و الشاب أو الفتاه التى تعتنى بنظافة و صحة بدنها و تحمى جسمها من العادات الجنسية الرديئة , و ترفض أن تجرح عفة جسدها حرصا على الحياة الزوجية المرتقبة , إنما تمثل نموذجاً طيباً لمن يفهم حياة العفة و يقدّر قيمة النضج الجسمى فى الحب الحقيقى

ب - النضج النفس و الاجتماعى

و هذا يعنى الفطام و الانفكاك من جميع الأربطة النفسية التى تعطل انطلاق النفسية نحو النضج الحقيقى , فالطفل النامى هو الذى تخلص من النرجسية ( التعلق الشديد بذاته و جسمه ) و عقدة اليكترا ( الارتباط النفسى غير السليم بالأم أو الأب ) .. إنه ما أن يصل إلى المرحلة الابتدائية حتى يكون قد أصبح مستعداً للاستقلال الشخصى , حتى إذا جاءت مرحلة المراهقة فإنه يعبرها فى اتزان و هدوء و وعى و بصيرة رافضاً العلاقات العاطفية السطحية , حريصاً على أن يحفظ طاقاته النفسية كذخيرة لازمة للحياة الزوجية المرتقبة

فى الطفولة يقول الطفل إنى أحب لأننى محبوب
و فى المراهقة يقول المراهق إنى محبوب لأننى أحب
و فى النضج يقول الشاب إنى أحب لأننى لا أستطيع إلا أن أحب

إن العجز عن الحب ينبع من فقر الشخصية .. أما الشخصية الممتلئة فى الداخل , و لها سر كيانها الداخلى , الغنية بالتفاؤل و الإيجابية فهذه هى القادرة على أن تحب و تبذل بذلا حقيقيا

جـ - النمو الروحى

المقصود بالنمو الروحى هنا أن يكون الشاب قد تذوق محبة الله و عذوبته , و صارت له شركة مع الرب و فى عشرة يومية و ألفة مستمرة و علاقة تزداد رسوخاً بتوالى الأيام

و علامات هذا النمو أن يكون الشاب واقفاً ضد ذاته و أنانيته مستعد دائماّ للتضحية و البذل , و أن يكون عفيفاً جنسياً قد تغلّب على شهوات الجسد و أهوائه و صارت له الحواس الطاهرة و العين البسيطة و القلب النقى , و أن يكون قادراً بنعمة الله على القيام بعد السقوط و العثرة مستفيداً من العثرة كى لا يسقط ثانية

و هذا النمو الروحى لازم للحب بين الجنسين لأنه الشرط الأول لقيامه و ضمان نقاوته و طهارته و نظافة جوهره

ما الذى يطمئن الشاب أن النداء الداخلى و الإلهام و الانجذاب نحو الآخر هو حب و ليس عشقاً ؟؟ إلا إذا كانت شخصيته لها حياة روحية صادقة , و عندها برهان داخلى أن روح الله يعمل بوضوح , و أن الضمير صادق و مخلص لله و غير منقسم

فالحب الذى ينسكب بالروح القدس فى قلب الشاب هو وحده القادر أن يقدس مشاعره و أفكاره و حواسه و يؤهله لمذبح الزيجة المقدسة و مضجعها الطاهر

فى المقال القادم سنتكلم عن ثانى مقومات الحب الحقيقى .. و هى الحرية ... فتابعونا

Thursday, 12 August 2010

بين الحب و الشفقة




هل الشفقة و العطف على إنسان من الجنس الآخر تعتبر نوع من الحب ؟؟؟؟

هناك شفقة قد تكون مظهر من مظاهر الإذلال للشخص الذى نشفق عليه , ذلك عندما تحمل الشفقة معانى الاستعلاء و عندما يجرح المحسن كرامة الشخص الذى يعطف عليه ... و هذا ما يحدث عندما يعطى إنسان غنى متكبر أحد الفقراء لكى يمتع نفسه بإذلال الشخص الواقف على بابه فترة طويلة ينتظر احسانه

و بالنسبة للجنس الآخر فقد تكون أعمال الشفقة نوعاً من الخداع الجنسى الذى تحدّث عنه فرويد كثيراً , فالشاب المراهق الذى يذهب ليساعد قريبته أو زميلته الطالبة فى مادة الرياضيات أو اللغة الانجليزية ( على سبيل المثال ) , و هو هادف إلى التلذذ بالنظر , إنما يحمل عمل الشفقة عنده خداعاً جنسياً يلزم مواجهته

و الطبيب الذى يشفق على ممرضته اليتيمة ليس لأجل يتمها فحسب و لكن لأجل جمال جسدها أو رقة شخصيتها و رغبة منه فى إيجاد علاقات تعاطف بينهما , إنما يخفى وراء عمل الشفقة بداية عشق جنسى يحتاج إلى مصارحة و كشف أمام الضمير

و الحب الجنسى أحياناً يأتى على أعقاب شعور حاد بالشفقة , و لهذا يلزم أن يمتحن الإنسان نفسه فى علاقات الشفقة مع الجنس الآخر سواء كان متكافئاً أو غير متكافئ فى السن أو المركز الاجتماعى حتى لا ينزلق إلى هاوية العشق ... و إذا أحس الإنسان بانجذاب عاطفى فليفحص نفسه لئلا يكون مسوقاً بالغرائز و الانفعالات ... أما إذا وجد الحب عنده متوفر الشروط من إلهام و عفة و طهارة و نضج و حرية و التزام , هنا تكون عمليات الشفقة قد مهدت إلى زيجة ناجحة خالية من عبث العاشقين و استهتارهم

فى المقال القادم سنبدأ فى دراسة مقومات و شروط الحب الحقيقى ... و سنبدأ بالنضج من كافة جوانبه ... فتابعونا

Tuesday, 10 August 2010

الحب و الصداقة بين الجنسين


الزمالة

هناك صداقة الدراسة أو العمل و هى التى يطلق عليها الزمالة , و هذه تختلف عن الصداقة الجنسية التى تتميز بالتخصص ( تخصيص فرد واحد للتعامل معه من الجنس الآخر ) و انشغال الفكر و الوجدان بموضوع الصداقة

أما الزمالة الطاهرة فهى التى ترفض التخصص . و تبادل العواطف بطريق أو آخر أمر يمارسه المسيحى فى حياته الدراسية و المهنية دون أن يكون هناك خطر ما , بل هو دليل على صفاء شخصيته و عدم انحرافه و خلوه من العقد الجنسية الداخلية

و هكذا بدلاً من أن ينظر الشبان إلى الفتيات نظرة سطحية تقوم على الإغراء الجسدى و التفاهة العقلية و الجمود الروحى , فإنهم ينظرون إليهن على أنهن زميلات و صديقات . بينما تستجيب الشابات اللاتى اُحسنت تربيتهن لهذا و يستطعن أن يعرفن الشبان معرفة تتسم بالأمانة و الطهارة

و المسيحى المخلص لعفته يحرص على أن تبقى علاقات الزمالة فى إطار العمومية و طهارة الفكر و نقاوة القلب وبساطة العين , و فى إطار العمل المشترك الهادف دون أدنى ممارسة لعمل من أعمال الظلمة , حتى لا يُدان من جهة ضميره أو ينزلق إلى هاوية العشق و صداقة اللذة

صداقة اللذة

هناك صداقة اسمها صداقة اللذة , و هى صداقة أنانية , هوائية , سريعة التحول , سهلة الانقلاب ... هذه يسميها بعض الشباب الحب !!! لكنها فى الحقيقة مجرد اندفاع عاطفى يستند إلى الرغبة فى التمتع و البحث عن الملذات دون أن تكون له أيّة صبغة دائمة أو أى مظهر من مظاهر الاستقرار

و هناك بعض الشباب ينادون بالحرية فى إقامة الصداقة بين الجنسين قبل الزواج ... و هم يستندون فى وجهة نظرهم هذه إلى أن صداقاتهم بريئة و ليس فيها أدنى انحراف جنسى , و أن مثل هذه الصداقات تشبع الميول الداخلية و تسمو بالدوافع الجنسية , و أن العلاقات البعيدة عن الانحراف الحسى ضرورية حتى يكتشف كل واحد الآخر , لعله يجده متكافئا معه نفسيا و روحيا , فيقبل على أن يكون شريكا للآخر فى الحياة الزوجية

تعالوا نناقش هذه الآراء باختصار

عندما نبحث شروط الحب الحقيقى ( سنتحدث عنها بالتفصيل فى مقالات قادمة ) سنرى أنه يشترط فيه تحقيق الإلهام و الحرية و النضج و الالتزام الزوجى ... و إذا طبقنا هذه الشروط على العلاقات العاطفية بين الشاب و الفتاه قبل الزواج نجدها غير متحققة

فالشاب الذى يصادق فتاه لأجل أن يختبرها , و يعيش معها فترة ثم يتركها ليكتشف غيرها , إنما هو عابث يتلهى بالصداقات كما يتلهى الطفل بالحلوى و الفاكهة ... و هو لن يشبع لأن الشبع الحقيقى هو فى القضاء على العزلة , و هذا لا يكون إلا بالحب الذى يتجه أولا بالذات نحو القرار الباطنى العميق لذلك الآخر الذى يبغى النفاذ إليه

و الشاب فى مرحلة التلمذة ( الثانوية أو الجامعية ) لا يكون قد اكتمل نضجه نفسيا و بدنيا وفكريا ... و هذا يجعله فى أغلب الأحيان متذبذبا فى أفكاره , غير مستقر فى مشروعاته , هوائى إلى حد كبير فى علاقاته , تحركه العواطف و المشاعر و الانسجامات النفسية أكثر مما يقوده الفكر الرصين و الالتزام الأمين و التعهد الواعى و الوفاء الحقيقى

و الشاب الذى لم يصل بعد إلى مرحلة الزواج غير متمتع بحريته الكاملة ... فهو ليس حراً اجتماعيا لأنه مرتبط بارتباطات عائلية و اجتماعية كثيرة , و هو ليس حر ماديا لأنه مرتبط بالتزامات مادية كثيرة تحول بينه و بين التنفيذ العملى للزيجة

هكذا رأينا أن شروط النضج و الحرية و الالتزام غير متوفرة تماماً فى علاقات الصداقة الجنسية التى تقوم بين الشبان و الفتيات قبل الإقدام الفعلى على الزواج

أما عن الإلهام فهو اكتشاف روحى يحدث للمؤمن عندما يتأكد أن الله قد أعلن له عن شريكة حياته بإعلان باطنى واضح , و أن هذه الفتاه لا ينجذب لها عاطفياً فقط , و إنما على مستوى الحب الحقيقى

لهذا ترفض الكنيسة أى علاقة شخصية بين الشاب و الفتاه قبل الوصول لمرحلة الخطوبة و الإعداد للحياة الزوجية

الشاب المسيحى لا يتعجل و لا يطلب أن يستولى على قلب فتاة بطريقة بشرية , و إنما هو يريد أن يستلمها من يد الله و ليس من يد إنسان . إن المحبة تلزم الشاب ألا يؤذى عفاف الفتاه و حشمتها و وقارها , و لهذا فهو يرفض أى مسلك يخرج به عن هذه الحشمة و هذا الوقار

و الشاب المسيحى لا يحزن إذا وجد الفتاه التى فكر فيها يوماً قد تزوجت بغيره , فهو كمحب يفرح لراحة الآخر , و كمؤمن يثق أنها لم تكن مختارة له شخصياً

و الشاب المسيحى لا يجرى وراء العلاقات العاطفية ظنا منه أنها تُكسبه خبرة و دراية بالعلاقة التى يلزم ان تكون بين الزوج و الزوجة , لأنه حريص على أن يُبقى انفعالاته النفسية مرتبطة بانفعاله الروحى , و هذا يجعل شخصيته متكاملة نامية قادرة على أن تعبر عن إخلاص الحب و صدق العفة التى فى حياته

دعونا نتأمل فى المقال القادم فى سؤال مهم ... هل الشفقة و العطف على شخص من الجنس الآخر تعتبر حب ؟؟؟ تابعونا

Monday, 9 August 2010

العشق الأفلاطونى الرومانسى


 
يدخل هذا النوع من الحب ضمن مفهوم العشق الإيروسى , ذلك النوع من  الحب الخيالى الأفلاطونى الرومانسى الذى فيه يخلع المحب على المحبوب صفات مثالية , و يتصور فيه نموذجاً لا يقترب منه الزلل , و يعيش فى هذه الصورة الكاذبة التى رسمها لنفسه , و يسعى إلى أن يقترب من المحبوب الذى رآه ... لا كما هو بل كما يريد أن يراه

ذكرت إحدى الدراسات المتعمقة للمراهقة أن غالبية المراهقين يلجأون إلى الحب و الجنس كى يرووا ظمأ عاطفى ليس إلا ... إنهم أرادوا أن تكون لهم شخص الحبيبة مادة يغذون بها عاطفتهم و شعورهم

و إن تحليل الحب العذرى الأفلاطونى الرومانسى لا يزيد عن كونه تأثرات جنسية تمتزج بالتأثرات الدينية و التحريم الجنسى فى المجتمع , مع بعض من آثار العلاقات العاطفية فى الأسرة , فإذا بهالة من التقديس و الإبهام تغلف شعور الفرد نحو الجنس الآخر

و يشتد هذا النوع من الحب عند المراهقين الذين تربوا تربية دينية تؤكد الفصل بين الروح و الجسد و تمام الخصومة بينهما , فإذا بالمراهق يحاول أن يجرد تفكيره فى من يحب من النظرة الجنسية البيولوجية ,  يحاول أن يتسامى بعاطفته عن الاشتهاء الجنسى و لذة الجسد ... على أنه عندما ينضج تستقر عواطفه و يختار شريكة حياته على أصول و أسس كلها نضج و رشد و اكتمال

و رجال علم النفس يعتبرون هذا النمط من الحب نوعاً من التخلف فى النمو الجنسى , إذ لابد للمراهق أن يتجاوز هذه الرومانسية ليحيا فى الواقع و يتعامل مع الآخرين كما هم و يحب الآخرين كما هم لا كما يتصورهم

إن العاشق الأفلاطونى هذا إنسان أنانى , لأنه صور الآخر إلهاً لكى يتملكه و يتأله هو بهذا الامتلاك ... إنه لا يقبل المعاناه التى فى الحب , و لا يطيق التعرف على العيوب و النقائص التى فى المحبوب , لأنه غير ناضج و غير قادر أن يحمل عيوب الآخر , إذ هو يريد من الآخر أن يحمله و يزيده ثراء بالمثالية التى تصورها فيه

أما الحب الذى أوصى به الرسول بولس " فليحب كل واحد امرأته .. " ( أفسس 5 : 33 ) فهو حب من نوع آخر , إنه نوع يحتمل النقائص بل يراها علامة من علامات الحياة الانسانية , و لا ينزعج للضعفات بل يراها مجالا من أخصب مجالات النمو فى المحبة و تعميق ربط الحب الحقيقى

العشق لا يشبع

و هل يستطيع العشق أن يشبع الإنسان و يروى حياته الداخلية و يزيل منه العزلة و الفراغ ؟؟

قد يقول أحد الشباب المنغمس فى العشق الجسدى أنا سعيد بما أنا فيه , و حالتى أحسن من زميل لىّ مواظب على الاجتماعات الروحية و ممارسة وسائط النعمة ... قد يبدو هذا صوابا و لكن فى المظهر فقط , فأنت تضحك يا عزيزى و هو يبكى , و أنت تهزل و تملأ الدنيا ضجيجا و هو صامت مشغول بالصلاه من أجل خلاص نفسه ....... و لكنك أيها العاشق الساعى وراء اللذة و المتعة , ماذا سيكون حالك لو أنك جلست مع نفسك جلسة هادئة و طويلة حتى تتمكن من اكتشاف أعماقك و داخل كيانك ؟؟ أراك لا تطيق هذه الجلسة لأنك عابث لا تعرف للعمق معنى ... تعيش على السطح و القشرة و تكتفى بالمحسوسات و اللذة الخيالية و لا تريد أن تدخل إلى العمق و الثراء فى الكيان الداخلى الحقيقى

لماذا لا يشبع العشق الإنسان ؟؟؟

المحاولة الحقيقية للتغلب على العزلة لا تكون إلا بالاتحاد الروحى , و الحب حقا هو أفضل الوسائل للإنتصار على العزلة لأنه هو الوحيد القادر على تحقيق الاندماج الكامل مع كائن آخر

و لما كان العشق و الحب الجسدى هو التقابل مع الآخر على المستوى الجسدى دون الانفعال الروحى , فإن مثل هذا النوع من الحب لا يشبع الإنسان لأنه لا يقضى على العزلة و الفراغ الداخلى , فالإنسان ليس جسداً فقط و إنما هو روح و جسد ... لذلك نقول أن الحب يفرح بالتلاقى فى الانفعال الجسدى , لكنه لا يتحقق إلا بالانفعال الروحى

لهذا ... كل من يشرب من ماء العشق الجسدى يعطش , أما من يشرب من ماء الحب الحقيقى لن يعطش إلى الأبد

فى المقال القادم سنتحدث عن الحب و الصداقة بين الجنسين !!! فتابعـــونـــا