الحب الزوجى هو حب لا يتمركز حول الذات بل يستند إلى التضحية بالذات و يرتكز على العطاء , و يقوم على التعقل و الإستقرار و الوفاء المتبادل . ففى الحب الزوجى يفقد الإنسان الذاتية المستقلة و الأنا المنغلقة منفتحاً نحو عطاء النفس للآخر دون انتظار المنفعة
ثم هو حب غير مسبب و غير محدد ببواعث , و لكنه يبرر وجود نفسه , فهو لا يقوم على دوافع و بواعث و مثيرات خارجية و لكنه يستمد كيانه و جوهره من سر الحب الداخلى , فهو حب مبدع خلاق ... و هو يقبل المحبوب على علاته , كما هو ... إنه يقبله كشخص و ليس كموجودات , إنه يتعامل معه على مستوى الكينونة و ليس على مستوى الملكية
ثم هو حب يقدس الغريزة الجنسية و يفتديها ... فالعلاقة الجسدية بين الزوجين لا تكون كريهة أمام الله الذى هو سبب الحب الروحى الذى يملأ قلبى الزوجين و يوحدهما فى شركة و إتحاد روحى عجيب .... إن حركة المحبة الباذلة هى التى تفتدى الشهوة و تخضعها لنعمة الله الفائقة الغنى
ثم هو حب رزين غير متهور أو مندفع أو طائش و لكنه يعى إلتزامات الحياة الزوجية و مسئولياتها , و يقدّر كل متاعبها , و عنده إمكانية احتمال المعاناة مهما كانت ثقيلة
هو حب واقعى و ليس خيالى كما فى أحلام المراهقين , و هو حب ملتزم بالشخص , و ليس نوعاً من التلهّى وراء اللذة الحسية ... فهو حب باذل غير نفعى , يتأنى و يرفق , لا يطلب ما لنفسه , ولا يحسد , ولا يتفاخر ولا يغار ولا يخاف ... لأنه لا خوف فى المحبة
( رسالة يوحنا الأولى 4 : 18 )
هو حب قوى كالموت ( نشيد الأنشاد 8 : 6 ) لأنه يستمد كيانه من الحب الإلهى ... ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به ( يوحنا 17 : 26 )ولأنه بلا رياء فهو مبنى على الصخر لا تزعزعه رياح و عواصف الحياة
يقول القديس يوحنا ذهبى الفم إن الحب الزوجى هو أقوى حب لأنه يعرف كل شئ كالإيمان , و يرى ما هو مختفى عن أعين الآخرين , إنه يملأ الأعماق الخفية نوراً و بهاء
و هو حب يعنى المعرفة الشاملة العميقة ( عرف آدم حواء ) , الحب قوة شفافية نبوية كاشفة , فالمحب يرى نفس المحبوب بوصفه نوراً فيبلغ من المعرفة الدرجة التى لا يبلغها إلا المحبون
و آية هذا الحب أنها تمحو كل تباعد المسافة بين الإثنين ليكونا وحدة نموذجا مباركا و مثالا حيا و شهادة واضحة فى العالم
و هو حب مثمر فياض لا ينحبس فى جنبات الزوجين كما لا ينحبس النور فى أصابع الأيدى ... إن خصوبة الحب تتجلى بوضوح فى كونه يغير من نفوس أولئك الذين يحبون , و لعل هذا هو السر فيما نلاحظه عادة من أن للحب دائما صبغة خلاقة أو طابعا إبداعيا ... و تبعة لذلك فإن الحب عملية خلق متبادل لوجودين مترابطين يشعر كل منهما بأنه فى حاجة إلى الآخر لأنه يحبه , و إذا كان جوهر هذا الخلق أو الإبداع هو التبادل فذلك لأن الحب قوة من شأنها دائما أن تولد الحب , ثم هذا الحب يتدفق ليثمر ثمرة مباركة هى الطفل ... و هكذا يمتد الحب الزوجى ليصبح الحب الأموى و الحب الأبوى أيضا
و هو حب له قدرة الإنتصار على الموت ... يحول الزمنى إلى خلود , و الزائل إلى باقى ... فالفرح ينسكب من قلبى المتزوجين بالروح القدس , هذا يجدد الجسد و يضمن ديمومة الوحدة إلى الأبد
و فى هذا الصدد يقول ذهبى الفم : أولئك الذين يتحدون معاً حقاً يصيرون فى الدهر الآتى وحد فى المسيح ووحدة مع بعضهم البعض فى فرح أبدى
و إذا قلنا إن الحب الزوجى يدوم إلى الأبد , فما معنى قول الرب فى جوابه على الصدوقيين " إنهم فى ملكوت الله لا يزوجون و لا يتزوجون " ؟؟ هل يعنى هذا أن الزواج بكل وجوهه سيختفى ؟؟؟؟
نجيب عن هذا السؤال فى المقال القادم إن شاء الله
waiting for the next one
ReplyDeletegood article!