Friday 8 April 2011

الحب الزوجى - هل سيختفى الزواج بكل وجوهه فى الملكوت ؟؟



الحب الزوجى له قدرة الإنتصار على الموت , كما ذكرنا سابقاً ... يحوّل الزمنى إلى خلود و الزائل إلى باقى

فإن كان الحب الزوجى يدوم إلى الأبد , فما معنى قول الرب فى جوابه على الصدوقيين إنهم فى ملكوت الله لا يزوجون و لا يتزوجون ؟؟ هل يعنى هذا أن الزواج بكل وجوهه سيختفى ؟؟

الحقيقة أن ما له علاقة بالعالم المادى سيختفى ( مثل الإتصال الجسدى ) , هذا لن يستمر لأنه يصبح غير ذى موضوع إذ أن عدد المختارين يكون قد كمل , و بهذا لا يكون هناك معنى للتناسل ... و لكن الذى يبقى فى الدهر الآتى الحب و الشركة الباطنية ... إذ أن جميع أسرار الكنيسة ستختفى منها علاماتها الخارجية , و لكن تدوم فاعليتها الباطنية ... ففى الزواج يختفى الشكل و يبقى المضمون

يقول جابرييل مارسيل ( فيلسوف فرنسى و مفكر ) : متى قلت إنى أحبك فمعناه أنك لن تموت

و يرتبط بديمومة الحب و بقائه و استقراره الوفاء الزوجى الحقيقى . و هو نوع من الحياة , فيه يخلص كل شريك للآخر على أساس من الوئام و التفاهم و النية الصادقة القوية و المحافظة على الرابطة المقدسة جسدياً و روحياً ... هذه التى تجعل الزواج وحدة متماسكة متضامنة الأطراف ... و لا نقصد بالوفاء ذلك النوع المزيف أو السلبى الذى فقد روح الإخلاص و اكتفى بالحياة الشكلية و الرابطة المظهرية التى تبدو أمام الناس طيبة و هى تحمل فى طياتها نوع من النكد و التبرم و الكراهية و عدم التقدير و الأغلال و الموت

فالشعور الذى يربط الزواج هو الشعور بأن كلا منهما للآخر لا بأن الواحد هو ملك الآخر , الشعور بأن الاثنين مكملان لبعضهما البعض , و تنمو شخصية كل منهما فى جو من الحب و الألفة و المودة و الحياة الزوجية ... هذه الوحدة التى نسميها بحق وحدة الحب الزوجى

الحب الزوجى أسمى من كل الفنون و العلوم فى إشباع النفس البشرية ... فالفنون و العلوم و إن أرضت متطلبات خاصة للنفس البشرية , و سدت فراغ الحاجات المؤقتة إلا أنه من الواضح أنها لا تضفى مضموناً مطلقاً له اكتفاء ذاتى على الشخصية , و بالتالى لا تتطلب خلودها

الحب وحده هو الذى يتطلب هذا الخلود و هو وحده الذى يستطيع بلوغه

و الحب الزوجى هو حب على مثال حب المسيح للكنيسة .... و هو ما سنتكلم عنه بالتفصيل فى المقال القادم

Tuesday 5 April 2011

الحب الزوجى - سمات الحب الطاهر فى الزوجية



الحب الزوجى هو حب لا يتمركز حول الذات بل يستند إلى التضحية بالذات و يرتكز على العطاء , و يقوم على التعقل و الإستقرار و الوفاء المتبادل . ففى الحب الزوجى يفقد الإنسان الذاتية المستقلة و الأنا المنغلقة منفتحاً نحو عطاء النفس للآخر دون انتظار المنفعة

ثم هو حب غير مسبب و غير محدد ببواعث , و لكنه يبرر وجود نفسه , فهو لا يقوم على دوافع و بواعث و مثيرات خارجية و لكنه يستمد كيانه و جوهره من سر الحب الداخلى , فهو حب مبدع خلاق ... و هو يقبل المحبوب على علاته , كما هو ... إنه يقبله كشخص و ليس كموجودات , إنه يتعامل معه على مستوى الكينونة و ليس على مستوى الملكية

ثم هو حب يقدس الغريزة الجنسية و يفتديها ... فالعلاقة الجسدية بين الزوجين لا تكون كريهة أمام الله الذى هو سبب الحب الروحى الذى يملأ قلبى الزوجين و يوحدهما فى شركة و إتحاد روحى عجيب .... إن حركة المحبة الباذلة هى التى تفتدى الشهوة و تخضعها لنعمة الله الفائقة الغنى

ثم هو حب رزين غير متهور أو مندفع أو طائش و لكنه يعى إلتزامات الحياة الزوجية و مسئولياتها , و يقدّر كل متاعبها , و عنده إمكانية احتمال المعاناة مهما كانت ثقيلة

هو حب واقعى و ليس خيالى كما فى أحلام المراهقين , و هو حب ملتزم بالشخص , و ليس نوعاً من التلهّى وراء اللذة الحسية ... فهو حب باذل غير نفعى , يتأنى و يرفق , لا يطلب ما لنفسه , ولا يحسد , ولا يتفاخر ولا يغار ولا يخاف ... لأنه لا خوف فى المحبة
( رسالة يوحنا الأولى 4 : 18 )

هو حب قوى كالموت ( نشيد الأنشاد 8 : 6 ) لأنه يستمد كيانه من الحب الإلهى ... ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به ( يوحنا 17 : 26 )ولأنه بلا رياء فهو مبنى على الصخر لا تزعزعه رياح و عواصف الحياة

يقول القديس يوحنا ذهبى الفم إن الحب الزوجى هو أقوى حب لأنه يعرف كل شئ كالإيمان , و يرى ما هو مختفى عن أعين الآخرين , إنه يملأ الأعماق الخفية نوراً و بهاء

و هو حب يعنى المعرفة الشاملة العميقة ( عرف آدم حواء ) , الحب قوة شفافية نبوية كاشفة , فالمحب يرى نفس المحبوب بوصفه نوراً فيبلغ من المعرفة الدرجة التى لا يبلغها إلا المحبون

و آية هذا الحب أنها تمحو كل تباعد المسافة بين الإثنين ليكونا وحدة نموذجا مباركا و مثالا حيا و شهادة واضحة فى العالم

و هو حب مثمر فياض لا ينحبس فى جنبات الزوجين كما لا ينحبس النور فى أصابع الأيدى ... إن خصوبة الحب تتجلى بوضوح فى كونه يغير من نفوس أولئك الذين يحبون , و لعل هذا هو السر فيما نلاحظه عادة من أن للحب دائما صبغة خلاقة أو طابعا إبداعيا ... و تبعة لذلك فإن الحب عملية خلق متبادل لوجودين مترابطين يشعر كل منهما بأنه فى حاجة إلى الآخر لأنه يحبه , و إذا كان جوهر هذا الخلق أو الإبداع هو التبادل فذلك لأن الحب قوة من شأنها دائما أن تولد الحب , ثم هذا الحب يتدفق ليثمر ثمرة مباركة هى الطفل ... و هكذا يمتد الحب الزوجى ليصبح الحب الأموى و الحب الأبوى أيضا

و هو حب له قدرة الإنتصار على الموت ... يحول الزمنى إلى خلود , و الزائل إلى باقى ... فالفرح ينسكب من قلبى المتزوجين بالروح القدس , هذا يجدد الجسد و يضمن ديمومة الوحدة إلى الأبد
و فى هذا الصدد يقول ذهبى الفم : أولئك الذين يتحدون معاً حقاً يصيرون فى الدهر الآتى وحد فى المسيح ووحدة مع بعضهم البعض فى فرح أبدى

و إذا قلنا إن الحب الزوجى يدوم إلى الأبد , فما معنى قول الرب فى جوابه على الصدوقيين " إنهم فى ملكوت الله لا يزوجون و لا يتزوجون " ؟؟ هل يعنى هذا أن الزواج بكل وجوهه سيختفى ؟؟؟؟
نجيب عن هذا السؤال فى المقال القادم إن شاء الله