Sunday, 3 July 2011

الحب الزوجى مثال على حب المسيح للكنيسة



الكتاب المقدس يقدم لنا الزواج على أنه سر اتحاد بين رجل و امرأة يتعهدان بأن يعيشا دون أن يفصلهما الموت, فى علاقة حب متبادل واضعين نصب أعينهما التقديس الذاتى الشخصى و تقديس أطفالهم ... و عن طريق هذا التعهد الواعى و من خلال سريان الحب المتبادل فإن طبيعة الزوجين الجسدية الساقطة تتجدد لتؤهل إلى السكنى فى السماء الجديدة و الأرض الجديدة , فالحب الزوجى علامة للملكوت و شاهد له

و يرتبط الحب الزوجى بالفرح الزوجى ... فالمرأة تأتى لزوجها بفيض و عزاء لا ينقطع لكى يفرحا معا ( إفرحى أيتها الزوجة و ليكمل فرحك فى زوجك ) و القديس اكليمنضس السكندرى يشير إلى النعمة الفردوسية حين يدعو الحب على التسامى فوق الأرضيات و الإتجاه نحو الجمال السماوى فى الحياة الزوجية


ليس صدفة إذاً حديث الرسول عن الحب الزوجى فى مجال حديثه عن حب المسيح و الكنيسة ... "ايها الرجال احبوا نساءكم كما احب المسيح ايضا الكنيسة واسلم نفسه لاجلها 26 لكي يقدسها مطهرا اياها بغسل الماء بالكلمة 27 لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن او شيء من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا عيب. 28كذلك يجب على الرجال ان يحبوا نساءهم كاجسادهم.من يحب امراته يحب نفسه. 29 فانه لم يبغض احد جسده قط بل يقوته ويربيه كما الرب ايضا للكنيسة. 30 لاننا اعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه. 31 من اجل هذا يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامراته ويكون الاثنان جسدا واحدا. 32 هذا السر عظيم ولكنني انا اقول من نحو المسيح والكنيسة " أفسس 5 : 25-32 ... فمن قول الرسول هذا يتضح جليا أن رباط الزيجة يصور اتحاد المسيح بالكنيسة, و على هذا المستوى يكون الزواج سرا عظيما و يكون رباط الحب الزوجى مقدسا



إن الزواج توقع للملكوت و تكوين لملكوت مصغر هنا على الأرض



إن أول أعجوبة صنعها الرب كما حدّثنا يوحنا البشير أجراها فى عرس قانا الجليل , و من أول الأمر تتكشف الجلجثة خلال هذه الأعجوبة ( الماء المتحول خمرا ) فيعلن بهذه الوسيلة ولادة الكنيسة على الصليب إذ أنه من الجنب المطعون جرى دم و ماء ... فالرمز إقتراب و توضيح لمكان الأعجوبة , العرس بجوار الافخارستيا الكنسية


و حضور المسيح يضفى على العروسين هيبة قدسية, و عنها يتحدث القديس بولس حينما يقول " هذه كلها يعملها الروح الواحد قاسما لكل واحد بمفرده كما يشاء " كورنثوس الأولى 12 : 11 ... و بتأثير فاعلية الروح يتحول ماء الشهوات الطبيعية إلى ذلك النتاج من عصير الكرمة ... الكرمة النبيلة التى تعنى التحوّل نحو حب جديد, حب من فيض النعمة يدخل أعتاب الملكوت و الأبدية

و لهذا السبب تنحنى أم الله كالملاك الحارس فوق العالم فى أزمته قائلة ليس لهم خمر ... و المعنى الخفى لقول السيدة العذراء هو أن الطهارة الأولى بوصفها تكامل الشخصية قد تَلَفَت ... و الأجران المهيأة ( للتطهير عن اليهود ) فارغة و غير كافية لأن الأشياء العتيقة قد مضت فتتحول التطهيرات إلى المعمودية لتفتح الطريق إلى العرس الافخارستى للعريس الأوحد رب المجد يسوع 

Friday, 8 April 2011

الحب الزوجى - هل سيختفى الزواج بكل وجوهه فى الملكوت ؟؟



الحب الزوجى له قدرة الإنتصار على الموت , كما ذكرنا سابقاً ... يحوّل الزمنى إلى خلود و الزائل إلى باقى

فإن كان الحب الزوجى يدوم إلى الأبد , فما معنى قول الرب فى جوابه على الصدوقيين إنهم فى ملكوت الله لا يزوجون و لا يتزوجون ؟؟ هل يعنى هذا أن الزواج بكل وجوهه سيختفى ؟؟

الحقيقة أن ما له علاقة بالعالم المادى سيختفى ( مثل الإتصال الجسدى ) , هذا لن يستمر لأنه يصبح غير ذى موضوع إذ أن عدد المختارين يكون قد كمل , و بهذا لا يكون هناك معنى للتناسل ... و لكن الذى يبقى فى الدهر الآتى الحب و الشركة الباطنية ... إذ أن جميع أسرار الكنيسة ستختفى منها علاماتها الخارجية , و لكن تدوم فاعليتها الباطنية ... ففى الزواج يختفى الشكل و يبقى المضمون

يقول جابرييل مارسيل ( فيلسوف فرنسى و مفكر ) : متى قلت إنى أحبك فمعناه أنك لن تموت

و يرتبط بديمومة الحب و بقائه و استقراره الوفاء الزوجى الحقيقى . و هو نوع من الحياة , فيه يخلص كل شريك للآخر على أساس من الوئام و التفاهم و النية الصادقة القوية و المحافظة على الرابطة المقدسة جسدياً و روحياً ... هذه التى تجعل الزواج وحدة متماسكة متضامنة الأطراف ... و لا نقصد بالوفاء ذلك النوع المزيف أو السلبى الذى فقد روح الإخلاص و اكتفى بالحياة الشكلية و الرابطة المظهرية التى تبدو أمام الناس طيبة و هى تحمل فى طياتها نوع من النكد و التبرم و الكراهية و عدم التقدير و الأغلال و الموت

فالشعور الذى يربط الزواج هو الشعور بأن كلا منهما للآخر لا بأن الواحد هو ملك الآخر , الشعور بأن الاثنين مكملان لبعضهما البعض , و تنمو شخصية كل منهما فى جو من الحب و الألفة و المودة و الحياة الزوجية ... هذه الوحدة التى نسميها بحق وحدة الحب الزوجى

الحب الزوجى أسمى من كل الفنون و العلوم فى إشباع النفس البشرية ... فالفنون و العلوم و إن أرضت متطلبات خاصة للنفس البشرية , و سدت فراغ الحاجات المؤقتة إلا أنه من الواضح أنها لا تضفى مضموناً مطلقاً له اكتفاء ذاتى على الشخصية , و بالتالى لا تتطلب خلودها

الحب وحده هو الذى يتطلب هذا الخلود و هو وحده الذى يستطيع بلوغه

و الحب الزوجى هو حب على مثال حب المسيح للكنيسة .... و هو ما سنتكلم عنه بالتفصيل فى المقال القادم

Tuesday, 5 April 2011

الحب الزوجى - سمات الحب الطاهر فى الزوجية



الحب الزوجى هو حب لا يتمركز حول الذات بل يستند إلى التضحية بالذات و يرتكز على العطاء , و يقوم على التعقل و الإستقرار و الوفاء المتبادل . ففى الحب الزوجى يفقد الإنسان الذاتية المستقلة و الأنا المنغلقة منفتحاً نحو عطاء النفس للآخر دون انتظار المنفعة

ثم هو حب غير مسبب و غير محدد ببواعث , و لكنه يبرر وجود نفسه , فهو لا يقوم على دوافع و بواعث و مثيرات خارجية و لكنه يستمد كيانه و جوهره من سر الحب الداخلى , فهو حب مبدع خلاق ... و هو يقبل المحبوب على علاته , كما هو ... إنه يقبله كشخص و ليس كموجودات , إنه يتعامل معه على مستوى الكينونة و ليس على مستوى الملكية

ثم هو حب يقدس الغريزة الجنسية و يفتديها ... فالعلاقة الجسدية بين الزوجين لا تكون كريهة أمام الله الذى هو سبب الحب الروحى الذى يملأ قلبى الزوجين و يوحدهما فى شركة و إتحاد روحى عجيب .... إن حركة المحبة الباذلة هى التى تفتدى الشهوة و تخضعها لنعمة الله الفائقة الغنى

ثم هو حب رزين غير متهور أو مندفع أو طائش و لكنه يعى إلتزامات الحياة الزوجية و مسئولياتها , و يقدّر كل متاعبها , و عنده إمكانية احتمال المعاناة مهما كانت ثقيلة

هو حب واقعى و ليس خيالى كما فى أحلام المراهقين , و هو حب ملتزم بالشخص , و ليس نوعاً من التلهّى وراء اللذة الحسية ... فهو حب باذل غير نفعى , يتأنى و يرفق , لا يطلب ما لنفسه , ولا يحسد , ولا يتفاخر ولا يغار ولا يخاف ... لأنه لا خوف فى المحبة
( رسالة يوحنا الأولى 4 : 18 )

هو حب قوى كالموت ( نشيد الأنشاد 8 : 6 ) لأنه يستمد كيانه من الحب الإلهى ... ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به ( يوحنا 17 : 26 )ولأنه بلا رياء فهو مبنى على الصخر لا تزعزعه رياح و عواصف الحياة

يقول القديس يوحنا ذهبى الفم إن الحب الزوجى هو أقوى حب لأنه يعرف كل شئ كالإيمان , و يرى ما هو مختفى عن أعين الآخرين , إنه يملأ الأعماق الخفية نوراً و بهاء

و هو حب يعنى المعرفة الشاملة العميقة ( عرف آدم حواء ) , الحب قوة شفافية نبوية كاشفة , فالمحب يرى نفس المحبوب بوصفه نوراً فيبلغ من المعرفة الدرجة التى لا يبلغها إلا المحبون

و آية هذا الحب أنها تمحو كل تباعد المسافة بين الإثنين ليكونا وحدة نموذجا مباركا و مثالا حيا و شهادة واضحة فى العالم

و هو حب مثمر فياض لا ينحبس فى جنبات الزوجين كما لا ينحبس النور فى أصابع الأيدى ... إن خصوبة الحب تتجلى بوضوح فى كونه يغير من نفوس أولئك الذين يحبون , و لعل هذا هو السر فيما نلاحظه عادة من أن للحب دائما صبغة خلاقة أو طابعا إبداعيا ... و تبعة لذلك فإن الحب عملية خلق متبادل لوجودين مترابطين يشعر كل منهما بأنه فى حاجة إلى الآخر لأنه يحبه , و إذا كان جوهر هذا الخلق أو الإبداع هو التبادل فذلك لأن الحب قوة من شأنها دائما أن تولد الحب , ثم هذا الحب يتدفق ليثمر ثمرة مباركة هى الطفل ... و هكذا يمتد الحب الزوجى ليصبح الحب الأموى و الحب الأبوى أيضا

و هو حب له قدرة الإنتصار على الموت ... يحول الزمنى إلى خلود , و الزائل إلى باقى ... فالفرح ينسكب من قلبى المتزوجين بالروح القدس , هذا يجدد الجسد و يضمن ديمومة الوحدة إلى الأبد
و فى هذا الصدد يقول ذهبى الفم : أولئك الذين يتحدون معاً حقاً يصيرون فى الدهر الآتى وحد فى المسيح ووحدة مع بعضهم البعض فى فرح أبدى

و إذا قلنا إن الحب الزوجى يدوم إلى الأبد , فما معنى قول الرب فى جوابه على الصدوقيين " إنهم فى ملكوت الله لا يزوجون و لا يتزوجون " ؟؟ هل يعنى هذا أن الزواج بكل وجوهه سيختفى ؟؟؟؟
نجيب عن هذا السؤال فى المقال القادم إن شاء الله